عشاق الكلمات عشاق الكلمات
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

هام جدا لكل المقبلين على مباراة التعليم بالتعاقد المقبلة: نظرة شاملة حول مرجعيات إصلاح نظام التربية والتكوين

تقول الحكمة: "إذا وضعنا مشاريع سنوية فلنزرع القمح، و إذا كانت مشاريعنا لعقد من الزمن فلنغرس الأشجار، أما إذا كانت مشاريعنا للحياة بكاملها فما علينا إلا أن نثقف و نعلم الإنسان."
تقديم:
إن المتأمل لجميع التحولات و الإصلاحات التي عرفتها منظومة التربية  و التكوين في بلادنا منذ الإستقلال إلى حدود اليوم، سيقف على سلسلة من اللجان و الإستراتيجيات و بناء التوافقات دون تفعيل. لأن تاريخ التعليم بالمغرب هو تاريخ إصلاحات. فهل استطاع المغرب أن يجعل من نظام التربية و التكوين بُنْياناً يَشُد بعضه بعضا؟ و إذا لم يستطع، فهل لأن العولمة الجارفة فرضت عليه أن ينحو منحى الإصلاح، و لو لم يوفر المقومات الحقيقية و الفعلية لهذا الورش الحاسم ؟ أم هناك أسباباً أعمق من ذلك ؟
المنطلقات والمرجعيات
 إن قضية التعليم و قضية العدل قضيتان مطروحتان في المغرب، منذ ثلاثينيات القرن الماضي، أي منذ أن جعلتهما الحركة الوطنية المغربية سنة 1934م على رأس مطالبها الإصلاحية التي واجهت بها الحماية الفرنسية، قبل أن تنتقل إلى مطلب الإستقلال و بعد مرور أكثر من خمسين سنة على الإستقلال، بتدافعاتها و ارتجاجاتها، لم يتوقف المغرب في استنبات منظومة في التربية و التكوين متكاملة الأضلع، متناسقة السيرورة، مؤسسة في فلسفتها على مرجعية محددة مبنية على تصور واضح، خاضعة لعمليات في التقييم بأفق الإصلاح   و التقويم.
 إن مسألة الإصلاح التعليمي بالمغرب مسألة سياسية و ليست تقنية: أي مجرد إصلاح في الأدوات و البرامج و آليات التدبير الإداري؛ إن مستوى التعليم هو صورة معبرة عما وصل إليه تدبير الشأن العام بالمغرب.
 فالإصلاح يقتضي أولا فهم الواقع التعليمي و تشخيصه بناء على اتصال مباشر مع العاملين في الميدان، و التواصل و الحوار معهم، بحيث يكون تشخيص مشكلات الواقع التعليمي مبنيا على مشاركة ديمقراطية للمجتمع المدرسي... مع تبني السياسة الجهوية... فالإصلاح ليس مجرد تعليمات بيروقراطية مفروضة من الأعلى، إنما هو انخراط واعي عقلاني و وجداني يتطلب إشراك الناس في القرارات و الإستراتيجيات و السياسات بحيث يصبح الإصلاح جُزْءاً من تاريخية الذات التي تقاوم من أجل إنجاحه. 
   إن المراجعة السريعة لهذا المسار الإصلاحي تجعلنا نقف عند المحطات الرئيسية التالية:
§       اللجنة العليا للتعليم (1957م): إصلاح التعليم الموروث عن الاستعمار (الهياكل، البرامج، الأطر...)، مع المناداة باعتماد المبادئ الأربعة : (المغربة، التعريب، التوحيد، التعميم) لإرساء نظام تربوي وطني.
§       اللجنة الملكية لإصلاح التعليم (1958م) : إصلاح التعليم بالدعوة إلى إجباريته و مجانيته مع توحيد المناهج و البرامج.
§       المجلس الأعلى للتعليم (1959م) : التأكيد على ضرورة مجانية التعليم و تعميمه.
§       مناظرة المعمورة (14 أبريل 1964م) : الدعوة إلى تطوير آليات ثوابت الإصلاح : المغربة، التعريب، التوحيد، التعميم.
§       المخطط الثلاثي (1965م – 1967م) : إلزامية التعريب في مرحلة الإبتدائي.
§       مناظرة إفران الأولى (1970م) : تطوير التعليم العالي  و الإهتمام بالتكوين المهني.
§       مناظرة إفران الثانية (1980م) : تقدم مسلسل التعريب      و مغربة الأطر بالرغم من المشاكل المادية التي كان يجتازها المغرب في تلك الفترة، و التي أثرت على البنيات التحتية للتعليم نتيجة اعتماد التقويم الهيكلي "سياسة التقشف".
§       اللجنة الوطنية للتعليم (1994م) : محاولة تجاوز آثار التقويم الهيكلي على التعليم خلال ثمانينيات القرن الماضي و ذلك بالرفع من بنياته.
§       اللجنة الملكية للتربية و التكوين (1999م) : وضع أسس إصلاح التعليم : إلزامية التعليم، إدماج التعليم في المحيط ...
§       اللجنة الخاصة بالتربية و التكوين : (الميثاق الوطني للتربية و التكوين) : (2000م) : إصلاح المنظومة التعليمية بتغيير البرامج و المناهج : تعددية الكتب المدرسية، الإهتمام بتدريس اللغة الأمازيغية...
§       المخطط الإستعجالي : (2009 – 2012م) : زرع نفس جديد في مسلسل إصلاح المنظومة التربوية : اعتماد بيداغوجيا الكفايات و الإدماج، محاربة الهدر المدرسي، تشجيع جمعيات دعم مدرسة النجاح...
·     التدابير ذات الأولوية لوزارة التربية الوطنية و التكوين المهني  و البحث العلمي و الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التربية و التكوين للمجلس الأعلى للتربية و التكوين (2015م – 2030م)
   من أجل النهوض بمنظومة التربية و التكوين رفعت وزارة التربية  و التكوين شعار: "مدرسة جديدة من أجل مواطن الغد" و لعل هذا الشعار يترجم مرامي التدابير ذات الأولوية التي تسعى الوزارة الوصية من خلالها النهوض بتعليمنا في أفق 2030م، من خلال تفعيل مجموعة من الأهداف كالتحكم في اللغة العربية و التمكن من التعَلُّمات الأساس و اللغات الأجنبية و دمج التعليم العام و التكوين المهني و تثمين التكوين المهني و التفتح الذاتي و تحسين العرض المدرسي و التأطير التربوي و الحكامة، إضافة إلى تخليق المدرسة و تثمين الرأسمال البشري و خلق تنافسية في مجال المقاولة بالتكوين المهني...
   و في نفس السياق، أصدر المجلس الأعلى للتعليم و التكوين المهني و البحث العلمي "رؤية استراتيجية لإصلاح التعليم 2015 – 2030م" لإعطاء نَفَسٍ جديد للإصلاح التعليمي و لإنقاذ المدرسة المغربية من المأزق الذي تعيشه، و لوضع نمط للتدبير يُمَكِّنُ الشركاء و الفاعلين من المساهمة في تدبير الشأن التربوي وفق الحكامة الرشيدة مع وضع تحفيزات لفائدة الأطر التربوية باعتبارها من أهم الفاعلين لضمان جودة التعليم، زيادة على ضرورة وضع تصور واضح حول العلاقة بين قطاع التعليم و الجماعات الترابية، دون إغفال تقويم تنفيذ هذه الإستراتيجية؛ سواء تعلق الأمر بمعايير التقويم أو بالاستحقاقات الزمنية لعملية التقويم و التصحيح.
   إن القاسم المشترك بين الإصلاحات و محاولة الإصلاح و إصلاح الإصلاح و إعادة الإصلاح، هو غياب نظرة استشرافية و توقعية واضحة المعالم. فبالرغم من التجارب السابقة و اللاحقة، مازال تعليمنا بعيداً عما يجب، لأن الرتب المخجلة التي يحصل عليها المغرب سنويا بناء على تقارير عدة منها تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية، تضع بلادنا في مكان يشعر معه المرء، إن كانت فيه بقيةمن ضمير وطني و إنساني بالخزي و العار.
   و معلوم أن المعايير "المقاييس" التي تعتمدها هذه المؤسسات الدولية في ترتيب الدول حسب التنمية هي: مدى انتشار التعليم  و تعميمه، و مستوى التشغيل و نسبة البطالة. إذن، علينا أن نستوعب الدروس من هذه التقارير، و نعيد النظر في سياستنا التعليمية لإنتاج أو صنع إنسان جديد يفكر، يتطلع و يبدع على أسس قوية و راسخة من العلم و المعرفة، من أجل إدراك أبعاد المستقبل و متطلباته و الثقة في قدراته الذاتية المبدعة.
II-                 الوضعية الراهنة للتعليم ببلادنا :
   لم تستقر محاولات الإصلاح المتكررة للنظام التعليمي المغربي عن تحقيق النتائج المنتظرة؛ و هذا الوضع أصبح يُثيرُ مخاوف كل المعنيين بميدان التعليم، لأن مشاريع الإصلاح تستنزف الجهد و الموارد المالية دون أن يتحقق المُراد، و في ظل هذه الانتكاسة، حيث تخيب الآمال يوما بعد آخر في بناء المدرسة الوطنية، أصبح من اللازم البحث عن حلول مَنْطِقية لهذا المشكل الإجتماعي.
   لقد دخلنا القرن الواحد و العشرين، و لازالت سفينة التعليم ببلادنا تتلاطمها الأمواج، أمواج الأمية و الجهل و أمواج تغيير البرامج و المناهج، و لاشيء لاَحَ في الأفق سوى الخطابات الرنَّانة و كثرة المذكرات...      و سفينة التعليم تغوص نحو أعماق الجهل و الأمية  و ذلك جراء الضعف الشديد في التعلمات الأساس و هشاشة البنية التحتية لبعض المؤسسات التعليمية، زيادة على مشكل الخصاص في الموارد البشرية و ضعف التمدرس بالتعليم الأولي، دون نسيان الإختلالات العديدة التي تشهدها أسلاك الإبتدائي و الثانوي الإعدادي و الثانوي التأهيلي، و رغم تبني نظام جديد في تعليمنا العالي، فهذا الأخير يتخبط بدوره في عدة مشاكل و إكراهات...    
   نستخلص أن المدرسة المغربية تعيش أزمة بِنْيوية و هيكلية مما يدعو الجميع إلى الإنخراط الفعلي لإيجاد حلول مناسبة لهذا القطاع الحيوي الذي تدهورت أوضاعه بشكل كبير إن على مستوى التجهيزات التي تعاني من الهشاشة، أو من حيث المناهج الدراسية التي لا تساير التدريس بالبيداغوجيات الحديثة، ناهيكم عن ضعف التكوين  و ارتفاع نسب الهدر المدرسي...
   فالتعليم إذن وجه واحد و ليس الوحيد من أوجه الأزمة التي نتخبط فيها، و ليس هو المسؤول عن إغلاق المعاهد و المؤسسات العلمية   و إلغاء شعب معينة، و لا عن التملص الضريبي و لا عن إفساد الإنتخابات و لا عن مظاهر اليأس و الإحباط السائدة، و لا عن تدهور قيمة العلم و أهله و تراجع الطلب الإجتماعي عليه، و لا عن تسريح العمال... و لا عن غير ذلك من مظاهر و ملامح التخلف التي غرقنا فيها... فالمدرسة ليست قادرة بوحدها على إصلاح الأوضاع الإجتماعية المتردية أو الإرتقاء بالمجتمع.  فكما قال المفكر المغربي عابد الجابري: إن شعار إدماج التعليم في محيطه ينطوي على قدر كبير من التضليل، لأنه يسكت عما هو أساسي و هو "المحيط"، ذاته : هل هو قادر على أن يندمج التعليم فيه كما هو الحال في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية و كندا و غيرهما ؟ 
   و يبقى أبرز مشكل من مشاكل منظومتنا التعليمية هو إهمال المدرسة العمومية إلى درجة أن الأسر المغربية فقدت ثقتها فيها        و أصبحت تبحث عن البديل مهما كلفها الأمر، إلى غياب خريطة مدرسية مدققة بسبب إنجاح التلاميذ بمعدلات هزيلة من أجل معالجة آفة أخرى هي : "الهدر المدرسي" التي ترتبت عنها عواقب وخيمة تتمثل في تكديس التلاميذ في الأقسام (ظاهرة الإكتظاظ) و إرهاق المدرسين، مما يحول دون تحقيق المردودية / "الجودة" المتوخاة.
III-              الوضعية المتوخاة "المأمولة" من إصلاح نظامنا التعليمي :
   حظيت قضية التربية و التكوين ببلادنا بالإشراف الفعلي لجلالة الملك و الإرادة القوية للحكومة، من خلال تفعيل بنود الميثاق الوطني للتربية و التكوين، و تطبيق دعامات البرنامج الإستعجالي الذي جاء كجواب على الوضعية المتأزمة التي تعيشها منظومتنا التعليمية، و كرد على تقرير البنك الدولي، و ذلك بتشخيص أوضاع هذه المنظومة تشخيصا دقيقا لمعرفة جوانب الداء للبحث عن الدواء و ذلك عن طريق :
·       تفعيل آليات الدعم الإجتماعي : توسيع مبادرة المليون محفظة،  و توسيع برنامج "تيسير" للتحفيز على التمدرس، و تفعيل برنامج النقل المدرسي، إضافة إلى توسيع برنامج المطاعم المدرسية   و الرفع من قيمة منحة الداخلية...
·       تأهيل الفضاءات المدرسية و مرافقها مع عقد شراكات مع مؤسسات أخرى و مع بعض جمعيات المجتمع المدني.
·       تفعيل المقاربة بالكفايات و الإدماج للإرتقاء بجودة التعلمات الأساسية لكونها جوهر العملية التعليمية – التعلمية في المراحل الإلزامية.
·       التفكير الجدي في مُلاَءمة الكتب المدرسية الحالية، "رغم تعدديتها في مستوى واحد" مع البيداغوجيات الحديثة في أفق تغيير البرامج و المناهج.
·       إنشاء المدارس المندمجة و الجماعاتية / الجماعية لمحاربة الهدر المدرسي.
·       تأهيل و ترشيد الموارد البشرية مع تكوينها و إعادة تكوينها، و الإسراع لمراجعة مجموعة من مشاكلها و ملفاتها العالقة.
·       تدبير الإيقاعات المدرسية عن طريق تنظيم و تدبير الحصص اليومية و الأسبوعية و الشهرية و السنوية لأنشطة التلميذ الفكرية و المهارية و العلائقية، و ذلك بمراعاة ظروفه الصحية و النفسية.
·       استكمال تعميم التعليم، و الحد من استفحال الفوارق المجالية التعليمية وطنيا و جهويا.
·       التنظيم المحكم للمجال المدرسي و التدبير الأمثل للشأن التعليمي...
   ويرى العديد من المهتمين بأوضاع التربية و التعليم ببلادنا أن إصلاح هذا القطاع رهين بوضعه في الإطار الشامل للإصلاح الديمقراطي و بإشراك المواطنين بشكل منظم و ديمقراطي حر في اتخاذ جميع القرارات التي تؤثر على مستقبلهم، مع تركيز الإستثمار في الرأسمال البشري (تحقيق تنمية شاملة)، و عدم تحميل مسؤولية الفشل و الإخفاق الذي شهده الحقل التعليمي لرجال و نساء التعليم و كأنهم وحدهم من خطط و فكر و برمج و وجه و أدار... إلى أن وصل التعليم إلى ما وصل إليه اليوم. 
·       الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم ببلادنا (2015 – 2030م): تتوخى هذه الرؤية تحسين العرض المدرسي / المنهاج الدراسي للسنوات الأربع، و الرفع التدريجي من عَتَبات الانتقال قصد الرفع من التعلمات الأساس لدى المتعلم (ة) و تأهيل المؤسسات التعليمية و خلق مدارس شريكة و الإهتمام بالتأطير التربوي.. و تعميم التعليم و تَجْوِيدِه من خلال إعمال آليات المراقبة و المواكبة التربوية و تقييم تعلمات التلاميذ بكيفية دورية و إرساء دعائم الحكامة التربوية..
      VI إقتراحات :
   المدرسة المغربية يلزمها إصلاح في العمق سواء على مستوى الجهة أو على مستويات أخرى : أخلاقية و معرفية و سياسية... فعندما تبقى ملفات عالقة و أفواج مكونة و لا ترقى، و مدرسون يحملون دبلومات و لا تعطى لهم تلك القيمة الرمزية على الأقل... تصبح المدرسة في شموليتها عبارة عن ملاجئ لتخزين التلاميذ إلى حين تصديرهم إلى الشارع أو إلى أمام البرلمان!!
   إن الإصلاح الحقيقي يقتضي مراعاة خصوصية المدرسة المغربية، و مراعاة الخصوصية المحلية لكل جهة و منطقة... إصلاح التعليم يحتاج إلى أكثر من المذكرات و البرامج الإستعجالية و برامج الدعم، إنه يحتاج إلى إرادة سياسية قوية و جهود كل مكونات المجتمع.
   فمهما بذلت الدولة من مجهودات مادية و تنظيمية للرقي بمنظومة التربية و التكوين، و حل المشاكل التربوية و الإجتماعية للتلاميذ، فإنها لن تحقق أهدافها و نجاعة مخططاتها و مشاريعها دون تحسين  و تحديث الوضعية المعنوية و المهنية و المادية و الإجتماعية لكافة رجال و نساء التعليم بإشراكهم في صناعة القرار التربوي و استشارتهم في كل الإصلاحات و الإجراءات التربوية التي تهم المدرسة المغربية، و ذلك لحل و تبديد الاحتقان النفسي لدى الشغيلة التعليمية في علاقتها بالإدارة و الدولة و استرجاع مناخ الثقة و التعبئة و إلا سيظل أي إصلاح أو إجراء تعليمي فاقدا لحلقته الأساس = المدرس(ة). 
   كما يجب أثناء تخطيط بحوثنا الميدانية الخاصة بإصلاح التعليم اختيار المنهجيات الأكثر تلاؤما مع أوضاعنا و أهدافنا و قدراتنا، فهذه هي الطريقة المثلى للخروج بهذه البحوث من مستوى المعرفة إلى مستوى التطبيق و الإستنارة في في أخذ القرار. 
V بعض التجارب الدولية التي أتت أُكلها في إصلاح تعليمها :
   حققت بعض البلدان طفرات في التنمية رغم توفرها على موارد طبيعية لكونها استثمرت في ما هو أهم إنه : العنصر البشري الذي يختزن داخله طاقة (متجددة) جبارة، و التي لا يمكن استغلالها في الإتجاه الإيجابي، إلا من خلال التربية و التعليم إذ لا يمكن فصل التنمية عن التربية... فالمدرسة هي التي توفر الخدمات البشرية و الأطر المؤهلة لقيادة البلاد و إحداث التغيير و الرفاهية بضمان "الحريات الموضوعية" للفرد أو "الحريات الأداتية" كما يسميها الباحث البنغالي الحائز على جائزة نوبل "أمارتياصن" في كتابه، "التنمية حرية"، بينما النمو الإقتصادي يوفر الإمكانيات المادية الضرورية لتعميم تعليم  جيد. 
   و التجربة اليابانية في مجال التعليم خير دليل على ما سبق ذكره، لكونها تجربة رائدة على المستوى العالمي، إذ يعود الفضل في تقدم اليابان إلى عهد الإمبراطور "ميتسوهيتو" (سنة 1868م : عهد ميجي أي المتنور) حيث رفع شعارا يقول : (الحقوا بالغرب و تجاوزوه) و فعلا تم تحقيق هذا المبتغى. 
   أما التجربة الماليزية في ميدان إصلاح التعليم فارتكزت على استراتيجية إصلاحية تمتد على مدى عشرين عاما، و تنبني بالأساس على تأهيل العنصر البشري و تشجيع البحث العلمي..
   و في كوريا الشمالية يعد المعلم بطل العمل، حيث ارتفعت نسبة الكوريين الشماليين القادرين على القراءة و الكتابة من أقل من %50 في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي إلى %90 في أوائل التسعينيات منه. و ذلك بتطبيق استراتيجية تحسين نوعية التعليم  و تقوية أسسه المادية و الفنية. 
   و بالنسبة لفنلندا فقد أصبحت بلدا ذا اقتصاد معرفي متقدم في ظرف ثلاثة عقود، بحيث كان أهم أس من أسس نهضة التعليم بها هو أن تتاح الفرص للجميع في كل مستويات التعليم و في كل مناطق البلاد مع رفع شعار "لن ننس طفلا !"، و كانت نتيجة ذلك أن أنهى %99 من الفنلنديين التعليم الأولي و الإلزامي، و أنهى %95 منهم التعليم الثانوي، و أصبح %90 منهم يتوجه إلى التعليم ما بعد الثانوي: (التعليم الجامعي و المعاهد المهنية المتخصصة)، تقول وزيرة التعليم بفنلندا "تولا هاتانين" في هذا الشأن : ما الذي مكن فنلندا كدولة صغيرة من تحقيق أجور عالية و اقتصاد يعتمد على الكفاءة العالية؟ : إنه الإستثمار في التعليم و التدريب.
   أما النموذج الفرنسي المحتذَى به عندنا، فإنه يوفر للمنظومة التربوية مختصين في علم النفس المدرسي يستفيد من كفاءاتهم الإداريون  و الأساتذة و التلاميذ على حد سواء. 
   و تبقى الولايات المتحدة الأمريكية و كندا من أكثر الدول إنفاقا على التعليم خاصة في مجال تشجيع البحث العلمي و تشجيع هجرة الأدمغة.
خلاصة:
   يقتضي إصلاح التعليم ببلادنا إصلاح الأوضاع الإجتماعية و الإقتصادية لمجتمعنا للإرتقاء به على جميع الأصعدة، لأن المجتمع المغربي الديمقراطي الحداثي الذي ننشده جميعا لن يتحقق إلا بإرساء مواطنة جديدة مبنية على احترام ثوابت و مقدسات البلاد، و مرتكزة على الجهوية الموسعة و مؤسسة على قاعدة تخليق الحياة العامة، مع عدم النظر إلى قطاع التعليم كقطاع اجتماعي غير منتج   و هذا الإصلاح الشامل المأمول لن يتحقق هو الآخر إلا بضخ الحماس و تجديد آليات التفكير و بالإرادة و العزيمة القويتين اللتين توازيان عظمة تاريخ وطننا و شموخ رجاله و نسائه و غنى مكوناته الثقافية و الإثنية

عن الكاتب

عشق الكلمات عبارة عن مدونة يوجد مقرها بالمملكة المغربية , و قد تم تأسيسها من طرف "سعيد الحسناوي" ، و من أهم أهدفها المساهمة في إثراء و تعزيز المحتوى العربي في مجال التقافة والمعلومات العلمية والادبية وايضا المساهمة في تقديم الدروس وكل ما هو مفيد للشباب العربي.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

عشاق الكلمات